الخصوصية الجسدية: ضرورة تربوية لطفولة آمنة
أسماء السيد خليل – 8\8\2025
«الخصوصية الجسدية» للإنسان عمومًا تعني حقه في ملكية جسده والتحكّم فيه، بما في ذلك الأفكار والعواطف، فلا يتعرض هذا الجسد للّمس أو الفحص دون موافقة صاحبه، كما له الحق في التعبير عن أفكاره، أو الاحتفاظ بها لنفسه. وهذه الخصوصية التي تصل إلى حق الشخص في الحفاظ على مساحة تباعد حول جسده، مهمة لحماية كرامته الإنسانية، وشعوره بالأمان والاستقلالية، ودرء العنف عن ذاته.
و«الخصوصية الجسدية» بالنسبة للطفل تعني: حقه في الشعور بالأمان، وأن لجسده حدودًا لا يحق لأحد، بالغًا أو طفلًا، أن يتجاوزها دون موافقته. فمن حقه رفض العناق أو التقبيل أو الملامسة إذا كان يشعر تجاهها بعدم الراحة، ومن حقه أن يشعر بالاحترام عند ممارسة خصوصياته اليومية خارج المنزل، كتبديل الملابس، أو الكشف الطبي وغيرها.
وتتضح أهمية «الخصوصية الجسدية» للطفل في حمايته من التحرش، وتقليل فرص استغلاله، وتعزيز احترامه لذاته، وشعوره بالأمان والثقة في بيئته، كما تعلّمه احترام خصوصية الآخرين، وتنمّي لديه المفاهيم السليمة في العلاقات مع والديه والمجتمع الخارجي، فضلًا عن تهيئته لسن البلوغ، وما يصاحبه من تغيرات نفسية وجسدية.
من منظور تربوي ونفسي
من أجل بناء شخصية سوية، يجب أن نعد الطفل للوعي بخصوصية جسده، وإدراك أن لهذا الجسد حرمة، كما لأجساد الآخرين حرمة يجب ألّا تُمس إلا بإذنهم. وتنمية الإحساس بالمسئولية لدى الطفل تتأتى بالتدريب على استقلاليته والاعتماد على نفسه في ارتداء ملابسه، وفي دخوله الحمام، وفي نومه… إلخ؛ ويساعده ذلك على فهم جسده، وتطوير وعيه الذاتي، والحد من ثم من وقوع انتهاكات قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية، وربما اضطراب ما بعد الصدمة.
من أجل ذلك ينصح التربويون بضرورة تعليم الطفل الأسماء الحقيقية لأعضاء جسده، بما فيها الأعضاء التناسلية، بشكل علمي ومبسّط، وليس بالكنية أو الألفاظ الساخرة المعتادة؛ لأن استخدام الأسماء الرمزية يُشعِر الطفل بأن جسمه شيء مخزٍ أو مخجل، يستحيي أن يستقي معلومة عنه حتى من ذويه، وربما خجل من الحديث والفضفضة في حال وقعت له حادثة لمس أو تحرّش.
اللمسة «الآمنة» و«غير الآمنة»
«اللمس الآمن» و«اللمس غير الآمن» من الموضوعات الأساسية في تربية الأطفال وتوعيتهم بالأخطار الجسدية وكيفية الحماية منها. فـ«اللمسة الآمنة» هي التي يشعر معها الطفل بالأمان والحب، كعناق الأب والأم، ولمس الطبيب لأعضاء في جسده في حضور من يعتنون به، وكاحتضان أحد الأقارب دون الكشف عن أي جزء من جسمه أو رفع ملابسه.
أما «اللمسة غير الآمنة» فهي التي ينتج عنها الخوف والانزعاج وعدم الراحة من جانب الطفل، مثل إجباره على عناق أو تقبيل أو لمس، أو في حال طلب اللامسُ من الطفل ألا يخبر أحدًا بما فعل. من أجل ذلك يجب أن يُدرّب الطفل على المسموح به وغير المسموح به من هذه اللمسات، والأماكن التي تُمسّ والتي لا تُمس، وعليه أن يخبر ذويه على الفور بما تعرّض له من مواقف تجعله يشعر بأي حرج أو خوف.
مسؤولية الأسرة
عندما تقوم الأسرة بدورها بشكل فعّال، فإنها ترسّخ لدى الطفل مفهوم «الخصوصية الجسدية»، فيكون أقل عُرضة للاستغلال، وأكثر قدرة على حماية نفسه وطلب المساعدة عند الحاجة:
– يجب أن يكون الوالدان قدوة في احترام «الخصوصية الجسدية»، سواء بين بعضهما البعض أو مع أطفالهما، ومن ذلك تجنب العنف الجسدي أو التأنيب.
– خلق بيئة يشعر فيها الطفل بالأمان عند الحديث عن أي موقف مزعج يقع له.
– الاستماع له، وأخذ شكواه على محمل الجدّ، إذا عبّر عن شعوره بعدم الارتياح تجاه شخص ما.
– تدريبه على متى يقول «لا» لأي لمسة مشكوك فيها، ولو كانت من شخص قريب.
– يجب على الآباء مراقبة المحتوى الذي يشاهده الطفل، في التليفزيون أو الجوّال؛ لمنع التطبيع بين ما يشاهده مع التلامس الجسدي، خصوصًا أن الأطفال في سن صغيرة لا يدركون الفرق بين الفعل الإرادي والمُجبر عليه.
الوعي المجتمعي
الوعي المجتمعي هو خط الدفاع الأول عن «الحدود الجسدية» للأطفال، ومن ثم فهو ضمانة لنموهم النفسي والجسدي السليم، بعيدًا عن الاستغلال. وتقع مسئولية هذه التوعية على الإعلام والمؤسسات التربوية المجتمعية الأخرى، فعلى الإعلام مكافحة الصور النمطية الضارة، ومحاربة ثقافة الصمت أو التبرير إزاء الانتهاكات، وتقديم برامج توعوية للوالدين بهدف تعليمهم احترام خصوصية أطفالهم الجسدية، وإنتاج محتوى مناسب للطفل يفرّق بين السلوك الآمن وغير الآمن.
وعلى المؤسسات التعليمية أن تمارس دورها في تعليم الأطفال وتثقيفهم في هذا الجانب، وبيان حقهم في قول «لا» لمن يضر بهم، وتأهيل الكادر التعليمي للتعرّف على علامات الانتهاك الجسدي والنفسي، وتزويدهم بمهارات التواصل الآمنة مع الطفل، المبنية على الأمان والثقة. ومنوط بمنظمات المجتمع المدني أيضًا دعم التشريعات التي تحمي خصوصية الأطفال، وتدعم حقهم حال التبليغ عن أي انتهاك.