تأملات في سورة العصر
زهرة أوشن
في هذه الحياة دروب شتى وطرق متعددة، والإنسان العاقل هو الذي يبحث عن طريق يحقق له سعادة الدارين، طريق يسير فيه وهو مرتاح البال مطمئن النفس أنه وإن كان هناك تحديات وعقبات، لكن نهايته خير وفلاح.
ولما يتحدد الهدف وتتبين الغاية، وتكون أبجديات الرسالة واضحة والمنهج محدد المعالم معروف الخطوات؛ يسير الإنسان في سبيله وهو على يقين أنه على صراط مستقيم.
يمضي في سبيله وهو مرتاح الضمير، طيب النفس، عالي الهمة، يؤدي أمانة الاستخلاف في هذه الأرض، يعمرها وفق منهج الله لا يبغي إلا مرضاة رب العالمين.
وهو يفعل هذا مع جماعة من أمثاله يجمعهم وحدة الهدف وحب الحق، يقوي بعضهم بعضاً؛ نصحاً وإرشاداً، صدقاً ووفاء.
حول هذا الموضوع تدور سورة «العصر»: (وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر).
يبدأها الله تعالى بالقسم بالعصر؛ أي الدهر والزمن الممتد، وهو قسم عظيم، وقد ورد القسم بأجزاء الزمن المتنوعة في عديد السور القرآنية، فنجد قسماً بالليل، والنهار، والضحى، والفجر، ونجد أيضاً قسماً بالنجوم والكواكب، بالشمس والقمر، التي تصنع بحركتها تنوع الزمن على الأرض، ليلاً ونهاراً، فصولاً وأعواماً.
وهذا الزمن الممتد الذي يقسم به الله تعالى في هذه السورة يشير إلى عظمة خلق الله، وإلى ارتباط الإنسان بالزمن، وقصر عمره مقارنة بامتداد الزمن ليفهم معادلة التعامل الإيجابي معه حتى لا يضيع عمره القصير هباء منثوراً.
وكان جواب القسم أن هذا الإنسان سيكون في دائرة الخسران والعياذ بالله، والعبارة مؤكدة بأن واللام التي دخلت على حرف الجر؛ (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)، لكن كي لا يتم التعميم وحتى يكتمل المعنى، تأتي الآية الثالثة ويؤدي الاستثناء دوره لتكتمل الصورة: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).
وفي هذه الآية توضيح للطريق الرابح في الدنيا والآخرة، وهذا يعني أن أي طريق آخر خلا هذا الطريق لن يكون مصيره إلا الضياع والخسران في الدنيا والآخرة.
فما هذا الطريق الرابح؟ وما معالمه؟ الآية توضحه بجلال، فلا نحتاج لجهد كبير في البحث عنه.
إن له 4 أركان، هي: الإيمان، العمل الصالح، التواصي بالحق، التواصي بالصبر.
الإيمان أساسه اعتقاد سليم، وتوحيد لرب العالمين، وتصديق برسالات السماء وكتب الأنبياء، يقين باليوم الآخر وتسليم بقضاء الله وقدره.
وهي عقيدة منسجمة مع الفطرة السليمة فاعلة في الحياة، لها أثر وسلوك ونتاج مثمر، ذلك هو: العمل الصالح.
وهو ليس مجرد حركة عشوائية في أرجاء الأرض أو سعي على غير هدى، إنما هو نشور واع ومسارعة هادفة لصناعة الحياة وعمارة الأرض وفقاً لمنهج الله وعلى نوره سبحانه.
ولا أعمق ولا أروع ولا أجمل ولا أشمل من هذا التعبير القرآني المميز؛ «العمل الصالح»!
والسير على هذا الدرب القويم له تبعاته، فهو درب فيه صعوبات وتواجهه تحديات، ولكن أفراد هذه الجماعة التي سلكت هذا الدرب كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، يسدون الثغرات ويقيلون العثرات، يحثون أنفسهم على الثبات والمسارعة في الخيرات.
إنهم مجتمع إيجابي مبادر، متفاعل متعاون، صفاتهم أنهم: «يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر»، وهي صفات تؤكد الثبات على المنهج القويم والصبر على المشاق التي تواجه أفراده وهم يسيرون فيه.
سورة «العصر» قصيرة الآيات، رائعة البيان، عميقة المعاني، حددت معالم المنهج الحق وشروط الانتماء إليه، فلا عجب أنه ورد أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم من الصالحين كانوا بعد كل لقاء يلتقون فيه يقرؤون سورة «العصر» قبل افتراقهم، ولا غرو أن يقول الإمام الشافعي فيها: «لو فكر الناس في هذه السورة لكفتهم».