علّمنا القرآن الكريم كيف نهتم بالأهم، ووضع منهجًا للتعامل بعيد المدى وواضح التفاصيل مع أعداء الخير في المجتمع من المنافقين لخطورة أثرهم، ولأهمية الأمر فقد تصدى له بنفسه في مجتمع المدينة، فقد كان القرآن الوسيلة الإعلامية التي تتولى مقارعة الخصوم، وكانوا ألد الخصوم وأخطرهم، ليترك لنا نموذجًا سنحتاج إليه كل مرة سنحاول أن نقيم فيها أمر الدولة أو تحقيق مصالح الناس.
وظيفة المنافقين.. قلب الأمور وتعطيل ظهور الحق
(لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة: 48)، يلتفون حول السلطة ويحيطون برموزها، يبحثون عن مساحة للمصلحة التي يعبدونها، ولأجلها يقلبون الأمور، جاهدهم بهذا الكتاب الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجاهدهم به أول مرة.
تعريف المنافقين من خلال أفعالهم وسلوكهم الظاهر
ليسوا من أبطن الكفر وأظهر الإيمان وحسب، هذا تعريف ناقص يعرفهم من خلال أمر غيبي لا يمكن ملاحظته ولا قياسه، اتركوا هذا التعريف التقليدي للنفاق واستبدلوا به تعريفاً أكثر عملية متعلقاً بالسلوك الظاهر، انظروا كيف عرفهم القرآن بأعمالهم، وسُنُّوا بهم سُنته، وأعيدوا تعريفهم بلغة إجرائية سهلة القياس، تلك التي أرشدكم إليها الكتاب وأهملتموها، لا شيء يعريهم سواها، يحتمون من وعيكم بأمرهم بالأيمان الكاذبة ودعاوى الوطنية كذبًا.
هؤلاء:
- عبّاد المصالح، من يبيعون المبدأ لأجل اللقمة ثم يضعون المبررات.
- من يضعون أخلص رجالكم غرضًا للطعن دون أن ترونهم اقترفوا جرمًا.
- من يقدحون في النيات بينما يدافعون عن الخيانة ويتسامحون مع فاعليها في الوقت الذي يرمون خياركم بأقبح التهم لأخطاء لم يفعلوها أو فعلوها ولم يقصدوها.
المواجهة الشاملة.. جاهدهم بهذا القرآن
جاهدهم بهذا القرآن، واجهوهم بالعداوة والاستقطاب كما يفعلون مع المبادئ والمصالح العليا للمجتمع ومع الأخيار منكم، ليحذرهم الغر الغافل ويعرفهم من ليس بمطلع على خلفيات أغراضهم، لا تلتفتوا لمزاعمهم بأنكم لا تقبلون الخصوم؛ فتكفوا عنهم ليرضوا، فلن يرضوا ولن يكفوا، تعريفهم بأعمالهم وحسب كفيل بتحقيق اصطفاف يتجاوز مزاعمهم، في الوقت الذي يوحد صف الشرفاء الأخيار ضد عدو واحد، خليق بأن يُصنَع، أن يُعرَف ثم يُرمَى بالحقائق الواضحة، اجتهدوا بأن تروا الخصم الشريف كم هم أعداء له بقدر عداوتهم لكم وعداوتهم لكل شريف نبيل متجرد للمبادئ.
تحويل المنافقين إلى هدف وكشف الخديعة والخبث
اجعلوهم أعداء كما يرونكم، انصبوهم غرضًا للرمي، وارموهم بالتهمة التي يستحقون، ليعرفهم الناس وتتحدد دائرة الفتنة فلا يقربها مخدوع ولا يأتيها إلا من على شاكلتهم مُستَبينًا، جاهدهم بهذا الكتاب كما جاهدهم وافضحوهم به كما فضحهم أول مرة، لا تخشوا من قولهم: إنكم تتمترسون بالدين، فإنهم يتمترسون بالخديعة والخبث والفتنة، ولا ماحق لها سوى نور هذا الكتاب، الدين الذي لا يطيقون مبادئه، الكتاب الذي فضحهم أول مرة.
كشف زيفهم وتحصين المجتمع بترك حسن الظن
اسلكوا سبيل القرآن، ضعوهم في دائرة الضوء، اتركوا حسن الظن جانبًا، وجهوا نحوهم الأنظار لعلهم يعرفون أنهم مفضوحون فيكفوا شيئًا ما، وتخفت أصواتهم، وتبور بضاعتهم المسمومة، (وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ)، قلبوها لمن هو خير منكم فاحذروهم، عنهم وعن مثلهم قيل للنبي الكريم ذي الخلق العظيم: (جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) (التوبة: 73)، اتركوا بعض خلق الوداعة لمن يستحقها، وضعوا كل أمر في نصابه، يعلمكم الله الأولى، وهو الأعلم بهم وبنفسياتهم.
طبيعة المنافق المتقلبة في تفسير الأحداث ونظرة الرجال
(وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ)؛ تلك وظيفتهم، كنفسيتهم المتقلبة، لا مبدأ ولا ثبات، تفسيرهم للأحداث، ونظرتهم للرجال لا تضع أبدًا المبادئ في الحسبان، بل لا تعرف المبادئ أصلًا، هي أغلظ من أن تشف فترى المعنى المجرد المرتبط بالحقيقة العلوية، (وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ)؛ مشهد متحرك ثلاثي الأبعاد يختزل قدراتهم اللافتة في المراوغة والتحريف واللف والدوران، ثم إنهم حين يظهر أمر الله، كلما ظهر الخير وتحققت مصلحة المجموع، يحدث ذلك رغماً عن أنوفهم (وَهُمْ كَارِهُونَ).
المجتمع
