المفتي الشيخ الدكتور أحمد محي الدين نصار
قال رسولنا الكريم r: (داووا مرضاكم بالصدقة)، فبالصدقة يصرف الله عنك البلاء، ويفتح عليك أبواب الخير والسعادة، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟! فأنت بصدقتك تُدخل السرور والفرح على من ضاقت بهم السبل واشتد عليهم الكرب، وتكون نوراً وأملاً يبدد ظلامهم الدامس ويأسهم القاتل، فالله سبحانه حقيقٌ أن يبدد من حولك الظلمة، ويرفع عنك الكآبة، ويُدخل على قلبك السعادة والأمل، فمن يُعطِ باليد القصيرة يُعطَ باليد المبسوطة، ويدك هي اليد القصيرة، ويد مولاك سبحانه هي المبسوطة العظيمة.
لقد فرض الله الزكاة تسبيباً للرزق، فلا تبخل بحق الله في مالك، فهو الواهب وهو المانح، فإن تَرحم تُرحم، وإن تَمنَع الخير يُمنَعْ عنك، فإنّ لله في كل نعمة عليك حقًّا، فمن أداه زاده منها، ومن قصّر عنه خاطر بزوال نعمته؛ قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
والزكاة والصدقة والعطاء تجارة مع الله، وإنها لتجارة رابحة، فأين المتاجرون بالصدقات؟! وأين المتاجرون بالبذل والإنفاق؟! وأين المتاجرون بدفع الزّكوات؟! أين الذين يتاجرون في هذا كله مع الله؟! وهل يخسر تاجر يتاجر في تجارة مع الواسع العليم؟! والله تعالى يقول: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
ينبغي علينا أن نجعل قول رسول الله r: (استنزلوا الرزق بالصدقة) فقهاً يحيَا فينا، ويتصدر فهمنا، ويحكم سلوكنا، حتى نرتقي بإيماننا ونتخلّص من شحّ نفوسنا وسوء ظننا؛ قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، وقال r: (ما منكم من أحدٍ إلاّ سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة).
الصدقة تطفئ غضبَ الله سبحانه وتعالى، كما في قوله r: (إن صدقة السّرّ تطفئ غضب الربّ). والصدقة تمحو الخطيئة وتذهب نارها كما قال r: (والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار). والمتصدق في ظل صدقته يوم القيامة، كما قال: رسول الله r: (كل امرئ في ظلّ صدقته حتى يقضى بين الناس). والصدقة دواء لمرض قسوة القلب فقد قال r: (إذا أردت تليين قلبك فأطعم المسكين، وامسح على رأس اليتيم)، فكيف إذا كانت صدقتك صدقة جارية في العلم الذي ينتفع به في الدنيا، وكذلك في الآخرة من خلال الولد الصالح، فقد قال r: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له). فكن مؤمناً أنه بالصدقة يبارك لك في مالك فقد أخبرنا النبي r: (ما نقصت صدقةٌ من مال).
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك، وبطاعتك عن معصيتك، اللهم قوِّ إيماننا، وارفع درجاتنا، وتقبل منا يا رب العالمين.